كثيراً مـا نواجـه كمختصين في الصحـة النفسـية الموقف الـذي يتـم فيـه تقليـص واختـزال أسـباب الاضطرابات النفسـية لمسألة ضعـف الإيمان وهـو أمر يتشـارك فيـه الكثير في مجتمعاتنـا المُسلمة فمـن خلال مسـح تـم على شريحة ممـن يعانـون من اضطرابات نفسـية بخصـوص ماهيـة أسـباب الأمراض النفسـية وجدنـا أن غالبيـة النسـاء وضعـن الأسباب المحتملة بالترتيب التالي مـن حيـث الأهمية:
-
اختلال في كيمياء المخ.
-
ضغوطات الحياة.
-
الوراثة.
-
ضعف الإيمان.
-
الحسد والمس.
بينما كانت إجابة غالبية الرجال بالترتيب التالي:
-
ضغوطات الحياة.
-
اختلال في كيمياء المخ.
-
ضعف الإيمان.
-
الوراثة.
-
الحسد والمس.
وهنا نرى أن الجنسين وإن اختلفوا في ترتيب الأسباب من حيث أهميتها وأكثرها احتمالية إلا أنهم يتشاركون في مسألة ضعف الإيمان كأحد المسببات المحتملة مما يزيـد مـن وطأة وصمـة المرض النفسي على الشـخص المصاب بمواجهة المزيد مـن الشـعور بالذنـب والتقصير بحكـم الآخرين عليـه وعـدم فهـم معاناتـه.
نظريـة ضعـف الإيمـان تتنـافى مـع مفهـوم الابتلاء كما ذكـر البـارئ (ولنبلونكـم بشيء مـن الخـوف) لأن المرض نفسـيا كان أم جسـديا قد يكون ابتلاء وأن كل مـا يصيـب المؤمـن مـن هـم وغـم وحـزن يثـاب عليـه وأن الابتلاء يكـون على قـدر الإيمان فكلما زاد الإيمان زاد الابتلاء وليـس العكـس.
الجانـب الإيماني أحـد الجوانـب المهمـة في العلاج النفسي ولا يسـتطيع أي مختـص نفسي أن يغفـل عـن أهميـة هـذا الجانـب أو أن يهمشـه في العلاج ولكـن الخـوض فيـه يبـدأ عندمـا يكـون هنـاك رغبـة واسـتعداد وتقبـل مـن المريـض للخـوض فيـه طبعـا بعـد بنـاء علاقـة علاجيـة جيـدة تسـهل ذلـك. الإيمان مرتبط بالطمأنينة ولعل ما يشير إليه البعض من ضعف الإيمان مشتق من هذا الارتباط (ألا بذكـر اللـه تطمـن القلـوب) وأيضـا الذكـر لـه أوجـه متعـددة وقـد يكـون مـن المناسـب الحـث على الذكـر مـع تمارين الاسترخاء فهنـاك مـن يمـارس تنفـس التسـابيح ويجـد بذلـك طمأنينـة.
الاعتماد على أن المرض النفسي ضعـف إيمـان فحسـب قـد يكـون ذو أثـر سـلبي بتأخـر المريـض عـن طلـب العلاج فطلـب العلاج ضرورة وواجـب لأن اللـه لم يجعـل داء إلا وجعـل لـه دواء وقـد يكـون ذلـك بأخـذ الـدواء الموصـوف والعلاج النفسي وبقـراءة القـرآن والصدقـة والصلاة والتـوكل على اللـه والأخـذ بالأسـباب.
الضغـط عـى المريـض النفسي بتأديـة الواجبـات الدينيـة دون فهـم لطبيعـة مرضـه قـد تكـون لـه عواقـب على صحتـه, ففـي الوقـت الـذي يكـون فيـه المريـض بأشـد الحاجـة للدعـم، توجيـه التأنيـب المسـتمر أو التخويـف بالعقـاب قـد ينتـج عنـه نفـور وتدهـور الحالـة, واللـه سـبحانه وتعـالى لطيـف ورحيـم بعبـاده وقـد جعـل رخصـة للمرضى في أثنـاء المـرض.
ختامـا كل مـا يحتاجـه مـن يعـاني مـن اضطـراب نفسي هـو التفهـم والتقبـل والدعـم والدعـاء وإن لم نسـتطع فعلينـا على الأقـل التوقـف عـن إصـدار الأحـكام.