الإنفصال النفسي بين الزوجين

0
167

يحاول بعض الناس أن يقيم مدى نجاح العلاقة الزوجية بمقاييس مختلفة فمنهم من يعتبر الزواج ناجحاً إذا كانت هناك ذرية وأولاد ومنهم من يصف الزواج بالنجاح إذا استمرت العلاقة الزوجية لسنوات طويلة.

لكن الكثيرين يتجاهلون مقياساً هاماً لتحديد نجاح أو فشل هذه العلاقة الأسرية وهو التقارب النفسي و نعني بهذا التقارب أن يكون هناك ود وتفاهم، ونقاط للإلتقاء بين الزوجين. حيث يمثل غياب هذه المشاعر نقصاً شديداً في العلاقة بين الزوجين ويخطئ بعض من الناس الذين يعتقدون أن الحياة الروتينية وقيام كل من الزوجين بأداء واجباته المسؤول عنها فقط كفيلة بأن يخلق مثل هذه المشاعر الإيجابية بين الزوجين. بل وقد يشعر أحدهما بالضيق والإحباط إذا طالبه الطرف الآخر بأكثر من ذلك، ويعتقد هؤلاء الناس أن أهم شيء في العلاقة الزوجية هو الإهتمام بأداء المطالب المادية للأسرة فيتصور بعض الأزواج أنه إذا أنفق على بيته وأحضر لزوجته وأبنائه كل ما يطلبونه من طعام وشراب وملبس وتعليم وأمتعهم بالكماليات المختلفة من أجهزة التليفزيون والموبايلات وغير ذلك فإنه بهذه الطريقة يشعر وكأنه قد كفى ووفى وشعر براحة الضمير تجاه أسرته، ويرى من وجهه نظره أنه يستطيع أن يعيش حياته بعد ذلك ويستمتع بأوقاته بالطريقة التي يريدها دون أى إحساس بالذنب تجاه هذه الأسرة، وللأسف فإن بعضاً من هذه الصور موجودة بيننا يتمادى أصحابها في هذه السلوكيات ويتجاهل أن هناك نقاطاً أخرى غاية في الأهمية توجد بين الأزواج.

 

فعلى سبيل المثال يعتقد بعض الأزواج أن حياتهم الزوجية يجب أن تستمر بسبب وجود الأبناء وأنه يجب عليهم أن يتحملوا كل شيء في الحياة بسبب وجود الأبناء حتى يتربوا ويكبروا، وبعد ذلك يستطيع أن يتخذ هو ما يشاء من القرارات وأن يقيم هذه العلاقة الزوجية التي قد تكون مليئة بالمشاجرات والمشاحنات.

 

وأقول لهؤلاء

التأثير السلبي للانفصال بين الأزواج - الطب النفسي - العلاج النفسي
 

إن وجود الأبناء عنصر هام لقيام الحياة الزوجية ولكن لا يُمكن أن نختزل الحياة الزوجية والأسرية لكى تصبح في النهاية على شكل ارتباط بهدف الأبناء وإلا تحول هؤلاء الأبناء إلى عبء ثقيل على نفوس الأهل، وانما الأولى أن يكون الأبناء في الأسرة نقاطاً للإلتقاء بين الزوجين بعضهما وبعض فتربية الأبناء مسؤولية مشتركة بين الزوجين حيث يلعب كل من الأب والأم فيها دوراً هاماً لا يستطيع الآخر القيام به في معظم الأحيان ولذا فإن الأزواج السعداء هم الذين يبحثون عن نقاط في حياتهم يستطيعون أن يلتقوا حولها، ومن خلال هذا الإلتقاء تحدث المشاعر الإيجابية من التفاهم والمودة والرحمة التي تزيد من تماسك العلاقة الزوجية

 

يحتج بعض الأزواج بعض بأنه لا يود التحدث مع شريكه في بعض المواضيع أو أنه لا يريد أن يشركه في حل بعض المشاكل خوفاً من أن يغضبه أوأن يحمله ما لا طاقه له به أو أنه يخاف من أن يغضب ويثور وتكون لهذه الثوره عواقب سلبية أخرى، وأعود لأقول لهؤلاء

 

أننا لا يمكن أن نفصل الحزن عن الفرح ولا يمكن أن نفصل الحب عن الكره، ولا يمكن أن نعتقد أن الحياة واحدة في كل المواضيع وإنما الإختلاف رحمة والإختلاف في الرأي يثري الحياة الزوجية ولا يوجد اثنان في هذا العالم مهما كان تقاربهما في أمور كثيرة في الحياة يستطيعان أن يتفقا في كل أمور الحياة.

 

ولذلك فان إحترام كلا من الزوجين لرأي الآخر شيء أساسي يزيد من الحب والتفاهم بينهما، بينما إذا تعمد كل طرف من الزوجين أن يحل أمورة بنفسه ولا يشرك رفيقه في الحياة في مشاكله تحت أي دعوة من الدعاوى فإن ذلك يفصل بينهما، ومع الوقت تتعمق هذه الهوة التي قد تصل في بعض الأسر إلى حالة من الإنفصال النفسي حيث يعتقد كل طرف منهما أنه مسؤول عن حياته ومع الوقت يكتشف أن نقاط الإلتقاء بينه وبين رفيق الحياة تتقلص شيئاً فشيئاً والاسوأ من ذلك أن يحدث العكس بأن يرى أن نقاط الإختلاف بينهما تزداد مع الوقت وهذا شيء منطقى ومتوقع حتى يقع بينهما هذا الطلاق النفسي الذي يتمثل في رغبتة تملك واحداً او كلا الطرفين في أن يقود زمام حياته بنفسه وينسى أو يتناسى أن الحياة الزوجية بما جعل الله فيها من مودة ورحمة وميثاقاً غليظاً تهدف في مجملها أن تحدث حالة من الذوبان والإندماج يتطور مع الوقت ليصبح رباطاً شرعياً يزيد من تلاقى الزوجين.

 
التأثير السلبي للانفصال بين الأزواج - الطب النفسي - العلاج النفسي

بل أن الحياة الزوجية هي البوتقة التي تصهر كل المشاعر والمزايا للحياة ليخرج منها الزوجان أشد صلابة عن ذي قبل ولا أقول هذا الكلام من باب المجاملة أو الوصف لحياة سعيدة وصحية وانما آسوق وجهة نظر العلم هنا حيث أثبتت البحوث في هذا المجال أن الزوجين اللذين يتناقشان ويتحاوران ويحدث بينهما إختلاف وإلتقاء ويمران معاً في حياة طويلة يتعاملان فيها بمشاعر موحدة للتغلب على مشاكلهما، أثبت العلم أنه بعد فترة من السنين تزيد على السنوات العشر يحدث نوع من التقارب في ملامح الوجه بين الاثنين ويصبح هناك وجه للشبة بين وجهيهما حتى وإن كانا مختلفين في الشكل قبل الزواج. وتفسير ذلك بسيط وهو أن عضلات الوجه الصغيرة والتي تحدد ملامح الإنسان تتشكل حسب الحالة النفسية والمزاجية للإنسان سواء من الغضب أو الفرح، ولذا فإن الزوجين اللذين يعيشان حالة من الزواج المتناغم سوف يصلان إلى هذا الحد من التشابة أما الزوجان اللذان يعيشان في حالة من الإنفصال النفسي فلن يحدث بينهما هذا التشابة وهذه دعوة وتجربة لكل زوجين بأن ينظر كل زوج إلى رفيقة حتى يعلم مدى التقارب والتفاهم العاطفى بينهما.

 
 
للدعم النفسي وحجز استشارة نفسية عائلية
 

بقلم

د/ رشا محروس

أخصائية علم النفس الاكلنيكى

 

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا